إلى أمي

عدد القراءات 1575
2013-03-30

بقلم : د. ريم منصور الأطرش

رحلت أمي في 22 شباط 2013. رحلت بهدوء كما كانت تصلّي: نامت ولم تستيقظ صباحاً. وهكذا، غدت كلّ الصباحات مختلفةً وغريبة عني. لن أقدّم لها القهوة لنشربها سوياً ولن أقرأ لها المقالات الهامة من الأنترنت بعد اليوم. أيُعقَلُ هذا؟! نعم... هذه هي الحياة على ما يبدو!
صديقتي "هنّود" رحلت كالنسمة، كما كانت دوماً، ولم يعدْ باستطاعتي رؤيةُ عينيها المعبّرتين الصادقتين.
تعلّمتُ منها الحياةَ الحقيقية: العملَ والعطاءَ والصدقَ والوفاءَ والتسامحَ مع الآخرين إلى أقصى الحدود ونبذَ الزيف وقولَ الحق واختيارَه حتى لو كان الثمنُ الذي سأدفعُهُ كبيراً. حملتْ في جسدها روحاً نبيلة واختارتِ الدربَ الأصعبَ في الحياة: لقد اختارت بقلبها وبكلّ جوارحِها ولم تندمْ على خيارها هذا رغم الصعوبات التي واجهتها في المجتمع، إذ إنها آمنت بقول السيد المسيح:" ماذا ينتفعُ الإنسان أن يكسبَ العالم ويخسرَ نفسَه"!
أحبّت أبي بصدق وضحّت بالكثير في حياتها معه. وحين سألتُها مرّةً: (بعد أن عشتِ كلّ هذه الصعوبات، هل ندمتِ على خيارِكِ؟)، أجابتني: "لو أُعيدتْ حياتي مرّة ثانية لما اخترتُ غيرَها". أليستْ هذه هي الحرّية؟!
ثباتٌ وقوّةُ إيمان وحبٌّ استمرّ بوهجه وتألّقه حتى آخرِ لحظةٍ عاشاها معاً وطِوالَ خمسين عاماً من الزواج إضافة إلى أربعة عشر عاماً من الحب الحقيقي.
كانت لنا أباً وأمّاً في الفترات السياسية الصعبة التي واجهها أبي. علّمتنا أنّ الحكومات تأتي وتذهب ولكنّ الوطن إذا ذهب وفقدناه يوماً فإنه لا يعود. لذلك علينا الإيمانُ به وبوجوده والحِفاظ عليه رغم كلّ المِحَن.
ربّتنا مع أبي على احترام الآخر ومعتقداته حتى وإنْ خالفتْ معتقداتِنا: أليست هذه هي الديمقراطية؟!
أحبّتنا وأعطتنا بلا حدود واحترمتْ خِياراتِنا ولم تفرض رأيَها على أحدٍ منّا ولا على طالباتها خلال ثمانية وعشرين عاماً من تدريس الفلسفة وعلم النفس في دار المعلّمات في دمشق.
رحل أبي وهو يتغزّل بها، في شهر ميلادها (تشرين الثاني)؛ رحلت أمي وهي تحبه بعمق وإخلاص في شهر ميلاده (شباط). أليس في ذلك عبرة؟! وها هما يرقدان بسلام في مكان واحد، أحدهما إلى جانب توأم روحه، لتتلاقى الأرواح في حبٍ عظيمٍ أبديٍّ عابرٍ للأديان، أليس في ذلك قدوة؟!
هنيئاً لكما يا أبي ويا أمي، وإلى الملتقى!
                                                                                            د. ريم منصور الأطرش
                                          

اقرأ أيضاً

أنا... لا أدري!!!
" ظمئ الشرق.... فيا شام " ...... آه !!!
رسالة للسيد(ثاباتيرو) رئيس وزراء إسبانيا
رد السيد( ثاباتيرو)على رسالتي
سلطان باشا الأطرش .... عذراً
إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع
دروس مسفوحة!
من قرطاجة إلى بغداد
متحف للأمم المتحدة
"أتلانتيد"… القارة المفقودة !

ط¸ظ¹ط¸â€¦ط¸ئ’ط¸â€ ط¸ئ’ ط·آ§ط¸â€‍ط·آ¥ط¸â€ ط·ع¾ط¸â€ڑط·آ§ط¸â€‍ ط·آ¥ط¸â€‍ط¸â€° ط·آ§ط¸â€‍ط·آµط¸ظ¾ط·آ­ط·آ§ط·ع¾ :