![]() عدد القراءات 3038 2003-04-15 بقلم : د.ريم منصور الأطرش كلنا قرأنا عن الأميرة الفينيقية أليسار، ابنة ملك صور، التي هربت من بلادها بعد مقتل زوجها على يد أخيها، واتجهت غرباً واختارت موقعاً هاماً بنت عليه مملكة عظيمة هي مملكة قرطاجة في القرن السابع قبل الميلاد. وفي زمنٍ بعيدٍ مضى، كان لقرطاجة شأنٌ كبير؛ إذ إنها أصبحت عاصمة لمملكة بحرية قوية جداً، وأصبح لها متسعمرات في صقليا وإسبانيا، كما أرسلت بحارتها الأشاوس إلى شمال الأطلسي، وقاومت جبروت روما خلال حروبٍ طويلة. استاء الرومان من قوة هذه المدينة، قرطاجة، وهي الآن تقع في تونس، واستاؤوا من هانيبال، قائدها الذي استمات في الدفاع عنها وعن حضارتها. إلا أن الرومان استطاعوا بقيادة سيبيون الإفريقي في نهاية الحرب الثانية "الوقائية العقابية" في القرن الثالث قبل الميلاد، الاستيلاء على قرطاجة، بعد أن رفعوا شعارهم الشهير "هانيبال على أبواب روما، فلندمّر قرطاجة" . لكن قرطاجة عادت إلى الحياة والازدهار من جديد، فلم يعجب ذلك الرومان، فقاموا بتدميرها في حربٍ ثالثة بقيادة سيبيون إميليان. فكر الرومان بطريقةٍ يدمرون فيها هذه المدينة وحضارتها والحياة البشرية فيها وكذلك الحياة النباتية والحيوانية، فماذا فعلوا؟! لقد حرثوا أرض قرطاجة شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً وألقوا في تربتها كمياتٍ هائلة من الملح...نعم الملح! كان ذلك كافياً لقتل الحياة في تلك المدينة الرائعة. إلا أن قرطاجة عادت ونهضت من الموت إلى الحياة، لتتألق من جديد بين القرنين الأول والسادس للميلاد، وبقيت عاصمة لحضارةٍ مزدهرة في إفريقيا. ومازلنا نحن إلى اليوم نسمع ونشاهد ونعجب بحضارة قرطاجة في تونس الحبيبة. لماذا كل هذا الحديث عن قرطاجة؟! سمعنا جميعاً بنيّة الولايات المتحدة وحلفائها المبيتة والمؤكدة في القضاء على الحياة البشرية والنباتية والحيوانية في العراق، باستخدام اليورانيوم المنضّب كما فعلوا في العام 1991، وكما يفعلون في هذه الحرب على الأرجح، لأن الرئيس بوش "الصغير" قد تعهد أمام الكونغرس في خطابه في أوائل العام 2002 أنه "سيحافظ على تراث آل بوش بشن حرب كل عشر سنوات على العرب والمسلمين ليعيشوا دوماً في فوضى مستمرة ولتبقى إسرائيل هي السيدة الوحيدة القوية في منطقة الشرق الأوسط"! هؤلاء الوحوش البشرية حاقدون على حضارة العراق التي تعود في الزمن إلى مئةٍ وعشرين قرناً، أي إلى إثني عشر ألف عام. وقد ظهر هذا الحقد جلياً الآن حين تم نهب متاحف العراق ومكتباته ودور وثائقه، كما تم إحراق وتخريب ما لم يستطع المخربون المنهجيون والمحرَّضون على هذه الأفعال، سرقته. إنها أعمالٌ تخريبية لتاريخ العراق وتراثه الإنساني، ضمن فوضى عارمة، إلا أن دلالة هذه الأعمال ومن يقف وراءها واضحة للعيان!! ونعود إلى قرطاجة...إذ إن التاريخ يقول لنا بأن الملح "المنضّب" لم يستطع إفناء حضارة قرطاجة، لأنها عادت وازدهرت من جديد، وكل العالم في مشارق الأرض ومغاربها سمع بقرطاجة وحضارتها وزارها الكثيرون وتمتعوا بمشاهدتها. ولكن، من منهم سمع يوماً عن سيبيون الإفريقي أو سيبيون إميليان؟! لقد ابتلعهما التاريخ وكأنهما لم يكونا!! في حالة العراق، في القرن الواحد والعشرين، كل الناس سمعوا عن بوش "الصغير" كما أسماه العراقيون، إلا أن التاريخ الإنساني سيكتب اسمه خالداً ضمن أسماء مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية الذين لفظهم وسيلفظهم التاريخ الإنساني إلى "مزبلته". أما مدننا العراقية الغالية، من بغداد إلى بابل وكربلاء والنجف ومن البصرة إلى نينوى والموصل...فستظل نجوماً مشعة بالعلوم والحضارة التي وهبت الحياة والازدهار للإنسانية جمعاء، تلك الإنسانية ممثَّلة بالأمم المتحدة تخلت عن العراق في أوقاته العصيبة، وهو لم يتخل عن أحد حين كان في زهوة قوته، كذلك سيظل أهل العراق صابرين صامدين، فهم أحفاد حضارة راسخة ومتجذرة، لن تستطيع جحافل الأمريكان والبريطانيين النيل من صمودهم وكبريائهم وعزتهم، " فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
اقرأ أيضاً
|