![]() عدد القراءات 1575 2016-04-17 بقلم : المهندس ثائر منصور الأطرش في برنامج "مرايا" على قناة "العربية" الفضائية، شاهدتُ على اليوتيوب حلقة، يبدو أنها أذيعت خلال شهر نيسان الجاري، بمناسبة مرور ذكرى رحيل القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، في 26 آذار الماضي.
وبما أني أفترض النيّة الحسنة دوماً، حضرتُ هذه الدقائق ال 12 بناء على رغبة أحد الأقرباء!
لكني وجدتُ أن هذا البرنامج، ينطبق عليه اجتزاء آية: "لا تقربوا الصلاة" - وهم أناس، في العادة، يستشهدون بنصف الحقيقة، دون تكملتها - وبالتالي لا يكملون الآية الكريمة التي تتابع "وأنتم سكارى"!!
لقد قدّم مذيع البرنامج على سبيل الاجتزاء، قسماً من وصية جدّي، سلطان، فلم يذكر شعار الثورة السورية الكبرى "الدين لله والوطن للجميع"، هذا الشعار الذي فيه، الآن وهنا، خلاص السوريين جميعاً، بتحقيق المواطنة الحقيقية لكل الناس في الوطن... كما أنه لم يذكر أهم ما في هذه الوصية: " واعلموا أن الحفاظ على الاستقلال أمانة في أعناقكم بعد أن مات من أجله العديد من الشهداء وسالت للوصول إليه الكثير من الدماء"، وهذا ما يناقض تماماً ما لجأ إليه قسم من المعارضة السورية، للأسف، حين سلّم قياده للخارج، من قوى استعمارية غربية وإقليمية تدور في فلكها... ثم إن المذيع لم يتحدث عما قاله سلطان الأطرش في وصيته تلك حول العودة للتاريخ " لتنبيه الشعور وإيقاظ الهمم لاستنهاض الشعوب فتظفر بحريتها وتحقق وحدتها وترفع أعلام النصر"، والمقصود هنا عدم الاستسلام للغرب الااستعماري والقوى الإمبريالية، إذ لا نفع للحرية في ظلّ وطن تابع للاستعمار بأشكاله المختلفة! والأمثلة على ذلك كثيرة...
أما قول المذيع بأن سلطان باشا الأطرش أطلق الثورة السورية الكبرى دفاعاً عن الشهيد أدهم خنجر، حين استجار بسلطان باشا الأطرش، فهذا خطأ تاريخي كبير، فحادثة أدهم خنجر جرت في العام 1922 وحينها قام سلطان بانتفاضته الأولى في شهر تموز من ذلك العام؛ أما الثورة السورية الكبرى، فقد انطلقت بعد ثلاث سنوات، في الشهر ذاته، تموز من العام 1925...
ثم إنّ قوله إن سلطان باشا الأطرش "استجار" بالملك عبد العزيز آل سعود، فيه شيء من الغضاضة، إذ إن الملك حاول ترحيل سلطان ومن معه وعائلاتهم خارج وادي السرحان، في حال أصرّوا على الاحتفاظ بسلاحهم، أو تجريدهم من السلاح وإدخالهم إلى منطقة الجوف البعيدة عن بلاد الشام، وذلك رضوخاً من الملك لمطالب الفرنسيين وضغوطهم! وهذا ما رفضه سلطان باشا الأطرش تماماً! واستطاع أن يبقى ورفاقه في وادي السرحان، قريبين من بلاد الشام، بوساطة بعض الوطنيين السوريين، محتفظين بسلاحهم، شرفهم...
كما أن سلطان باشا الأطرش ترأس مؤتمر الصحراء في تشرين الأول من العام 1929، الذي حضره وطنيون من أنحاء بلاد الشام، دعا فيه إلى التأكيد على وحدة سوريا ساحلاً وداخلاً وعلى رفض التقسيم الطائفي والتأكيد على استقلال البلاد وإنشاء حياة سياسية ودستورية حقيقية فيها بعد التخلص من الاحتلال الفرنسي، بكافة الوسائل المتاحة، بالرغم من الحكم عليه، آنذاك، بالإعدام من الانتداب الفرنسي الغاشم.
أما عن انحياز بعض الأحفاد، وليس معظمهم، لما أطلق عليه المذيع اسم "الثورة"، فهذا لا منطق فيه بعد أن وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من دمار لبناها التحتية وضياع لثرواتها وتشريد لأهلها.
المهم، الآن هنا، الانحياز لمصلحة الوطن العليا في العودة إلى الوحدة الوطنية الحقيقية، وهي اتخاذ الموقف الصحيح خلال المِحَن، لا الثبات على موقف الحقد الأعمى... فيجب ألا ننسى موقف سلطان باشا الأطرش في شباط من العام 1954، حين رفض رفع السلاح، وقد كان قادراً على ذلك لو أراد، في وجه الجيش السوري الذي قام بحملة على الجبل، آنذاك، قائلاً جملته الشهيرة: "هؤلاء أولادي... أنا أرفض أن أواجههم بالسلاح، فسلاحنا يوجَّه ضد الأجنبي الغاصب فقط"!
حينها، ذهب سيراً على الأقدام، في عزّ تساقط الثلوج، من بلدته، القريّا، إلى الأردن... كان له من العُمْر حينئذٍ 66 عاماً... ولدى وصوله إلى الحدود الأردنية، أرسلتْ له الحكومة هناك سيارة مرفوعاً عليها العَلَم البريطاني، فرفض الركوب فيها، رغم أنه ملاحَق، وأن حياته كانت في خطر... ولكنْ، لا، حتى في أحلك الظروف، الباشا سلطان لا يلجأ إلى الأجنبي! فاضطرت الحكومة الأردنية إلى إرسال سيارة أخرى مرفوع عليها العَلَم الأردني... فقَبِلَ أن يستقلّها مع صحبه، ودخلوا إلى الأردن... بقي الباشا سلطان هناك إلى أن سقط الشيشكلي وخرج من سوريا...
إنّ التمثّل بسلطان يكون بالانحياز لمبادئه بمجملها، ولتاريخه ككلٍّ متكامل، وليس لما يناسب الظرف من تاريخ سلطان.
إنّ التصدّي للحديث عن شخصية مثل سلطان باشا الأطرش تحتاج إلى قامات إعلامية هامّة لا إلى أناس يبحثون عن التصيّد في الماء العكِر، وينتهجون سياسة تأجيج الغرائز...
هذا غيض من فيض، أردنا فيه التوضيح لكثرة ما غرقت فيه مثل هذه البرامج من أخطاء تاريخية كثيرة بقصد بالإساءة إلى رموز وطنية وقومية عظيمة، في خدمة مجانية لعدونا الوحيد، الكيان الصهيوني ومن يلوذ به!
المهندس ثائر منصور سلطان الأطرش
القريّا- جبل العرب، 17 نيسان 2016
اقرأ أيضاً
|